نحن والآخر..
نمجد النفس، نعتز بـ ''الأنا ونحن'' نقلل من الآخر، ومن ''أنت وهم'' تبدو هي طبيعة إنسانية منذ أقدم العصور، وفجر التاريخ، والسبب أننا نعرف الذات، ونجهل الذات الأخرى، أو نقلل من الآخر لكي نرفع من قيمة الذات·
الأنا ونحن·· يمكن أن تكون الشخص والعائلة وسكان الحي ثم المدينة والوطن الصغير والوطن الكبير وأصحاب الملة الواحدة والدين الواحد واللون والجنس والعِرق، وتكبر الدائرة وتتسع إلى ما لا نهاية، وأنت أو هم أو الآخر·· يمكن أن يكون مخالفاً الملة والدين، البلد الجار، سكان الشمال أو الجنوب، البدو والحضر، المتحضر والمتخلف، المخالف في اللغة واللون والعِرق أو المحتل أو المستعمر، ومثلما تكبر وتتسع الدائرة الأولى، كذلك هو أمر الدائرة الثانية·
يبدأ التقليل من الآخر، بتبادل النكات والتعليقات، والتشنيعات، وينتهي بتبادل العداء، والاحتقار، وشن الحروب، ومحاولة إلغاء الآخر، ومنتجه الحضاري، ومحو لغته وثقافته أو تخريب بلده وتحطيم حضارته، وتصفيته جسدياً ومادياً ومعنوياً·
نحن والآخر·· حرب بدأت مع أيام التاريخ الأولى، رغم محاولة الأديان الحد منها، وإعطائها بُعداً أخلاقياً، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إلا أن الحرب كانت تسبق الأفكار النبيلة دائماً، على الرغم من حكمة الفلاسفة، وفلسفة الحكماء، تظل مثل رواسب داخل النفس، يأتي من يوقظها من سباتها، ويأتي من يذكي إوار نارها·
في التاريخ البعيد، كان الفراعنة يسمون اليهود ''خبيرو'' التي جاءت منها ''الهيبرو'' أو العبري، وتعني الهمج، والهمج في العربية هي الديدان الصغيرة التي تنفقئ عن الذباب أو البعوض، والناس رُذالتهم، وتعني الجوع أيضاً، واليهود يسمون الأمم الأخرى ''جوييم'' أي الأميين، أي شعوب من الدرجة السفلى، على اعتبار أنهم شعب الله المختار، والكلمة تعني الكفرة والوثنيين والأنجاس والحيوانات أيضاً، اليونانيون والرومان سموا بقية الشعوب التي احتلوا أراضيها البربر، على أساس أنهم شعب متحضر، والآخرون شعوب بدائية، همجية، لم تعرف الحضارة والتمدن، والبربر في اللغة اختلاط الحروف والكلمات وعدم الفصاحة، ثم تحولت في اللغات الأوروبية إلى مصطلح عدم التحضر والهمجية، والشعوب السلافية، التي أسموهم العرب الصقالبة، جاءت كلمة سلاف، من الكلمة اللاتينية "SLAVES" أو "ESCLAVES" وتعني العبيد، لأنهم استغلوا تاريخياً في خدمة الإمبراطورية الرومانية، وفي حروبها الكثيرة، والعرب يسمون الآخر أعجمياً، أي لا يتكلم بفصاحتهم التي اشتهروا بها، وفي لغتهم الأصلية أو العربية التي يحاولون أن يتكلموا بها، عٌجمة، أو عدم وضوح، أو خالية من البيان، والعجماء الدابة أو البهيمة، ويسمون الكفار أو الإفرنج بالعلوج جمع علج، وهو حمار الوحش أو الرجل غليظ الوجه والرأس، شديد النطاح، والفرس يتندرون على الأتراك الذين حكموا أرض فارس لمدة ثلاثة عشر قرناً، وكذلك يفعل الفرنسيون والألمان، حيث يسخرون من الرأس التركي اليابس، ومن سذاجتهم وقلة فهمهم، والفرنسيون كحال كل الجيران يسخرون من جيرانهم البلجيكيين، لقلة فطنتهم، وبساطة عقولهم، وعلى لفظهم اللغوي، ويسخرون من اللغة الألمانية، فيصفون الألماني حين يتحدث بها وكأن في فمه حبة بطاطا كبيرة، ويصفون الإنجليز بالأبقار الوردية، والهنود يطلقون على الأفغان، كلمة بتان، وهي من لغة الهنود السنسكريتية، وتعني الهمج، لذا الأفغان يحبذون كلمة البشتون على البتان، وبين الصينيين واليابانيين نكات وتعليقات لا تفهم، أما الأمريكيون فيحظون بأكبر نكات في العالم من كل الشعوب، يليهم العرب والإنجليز والإسبان والهنود، تلك بعض الأشياء من جدلية النفس والذات الأخرى، على اعتبار أن الآخرين هم الجحيم كما قال سارتر·